إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء
كان كصيام الدهر

كان كصيام الدهر

20 أبريل 2023

صيام الدهر هو الصيام المتواصل، وهو صيام منهي عنه مكروه كراهة شديدة. فقد ورد في صحيح ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن صامَ الأبدَ فلا صامَ ولا أفطَر". وورد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي". لكن من كرم الله تعالى ورحمته ومنه وفضله على عباده أن جعل لهم طريقا للفوز بأجر صيام الدهر من دون صيامه عمليا. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ." (رواه مسلم). المقصود بالدهر في الحديث السنة، وعليه فسر الفقهاء الحديث بأن من صام رمضان وصام بعده ستة أيام من شوال يكون كمن صام السنة كلها، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وهذا ما يؤكده قول النبي عليه الصلاة والسلام: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة." (رواه ابن ماجه والنسائي). لذا من المستحب ألا يضيع المسلم على نفسه هذا الأجر العظيم. لكن أيضا يجب عدم التشنيع والانكار على من لا يصوم الست من شوال لان صيامها سنة مؤكدة وليس بواجب.

ويجوز للمسلم صيام الست من شوال متتابعة أو متفرقة، لان الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق صيامها ولم يذكر تتابعا ولا تفريقا في قوله عليه الصلاة والسلام: " مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ." (رواه مسلم في صحيحه). لكن يجب الحذر من صيام اليوم الأول من شهر شوال لأنه يوافق يوم عيد الفطر، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام نهيه عن صيام يوم العيد فيما نقل الشيخان عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنه قال: "نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ الفِطرِ والنَّحرِ، وعن الصَّمَّاءِ، وأن يحتبيَ الرَّجُلُ في ثَوبٍ واحدٍ." (متفق عليه). وعليه فقد أجمع الفقهاء على حرمة صيام اليوم الأول من شوال يوم عيد الفطر، لكن لا حرج في ابتداء صيام الست من شوال من ثاني أيام العيد ما يوافق اليوم الثاني من شهر شوال.

وللفقهاء أقوال في مسألة صيام ست من شوال قبل قضاء الصيام الدين.

فالجمهور على أنه جائز بلا كراهة صيام ست من شوال قبل قضاء صيام الدين، لأن القضاء موسع يجوز فيه التراخي، بينما صيام الست محدود بوقت قد يفوت فيفوت فضله.

والقول الثاني يجوز مع الكراهة صيام ست من شوال قبل قضاء الدين، لأن تعجيل القضاء لما فات من رمضان أبرء للذمة فالفرائض أولى من النوافل.

والقول الثالث لا يجوز ان تصام النافلة قبل الفريضة وعليه لا يجوز تقديم صيام ست من شوال على قضاء الصيام الدين. واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله. معللا ذلك بأمرين أحدهما، "أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثم أتبعه ستاً من شوال" والذي عليه أيام من رمضان ما يصلح أن يكون متبعاً للست لرمضان، بل قد بقي عليه شيء، فكأنه صامها في أثناء الشهر، كأنه صامها بين أيام رمضان، ما جعلها متبعة لرمضان. والأمر الثاني: أن الفرض أولى بالبداءة وأحق بالقضاء من النفل، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: "دين الله أحق بالقضاء، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء." (رواه البخاري)."

فلنبادر أيها الأحباب إلى صيام الست من شوال لما فيها من خير وفضل وأجر عظيم. وأعاننا الله وإياكم على صيامها. ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

كتبه: مصعب العوضي

إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء